recent
آخر الأخبار

الوضعية المشكلة في درس التربية الإسلامية بين الرفض والقبول


الوضعية المشكلة في درس التربية الإسلامية بين الرفض والقبول

تطالعنا هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، نقاشات متضاربة، حول توظيف الوضعية المشكلة في تدريس مادة التربية الإسلامية، فهناك فئة ما زالت ترفض التدريس والتقويم بالوضعية المشكلة وتدعو إلى العودة إلى الطريقة العادية (نصوص الانطلاق ...)، في مقابل فئة ترى أن الوضعية المشكلة مهمة جدا، ولها إيجابياتها الكثيرة على تجديد المادة وتطويرها.
باعتباري أستاذة ممارسة للتدريس بالوضعية المشكلة، منذ ظهور المنهاج الجديد لمادة التربية الاسلامية، اتقاسم معكم تجربتي المتواضعة، وهي عبارة عن مقارنة بين تدريس المادة قبل اعتماد الوضعية المشكلة وتدريسها بعد اعتمادها.

في السابق كنا ننطلق من وضعية الانطلاق الموجودة في الكتاب المدرسي وقد تكون وظيفية ومناسبة لموضوع الدرس وقد تكون غير ذلك، ثم ننتقل بعدها لقراءة نصوص الانطلاق، ثم معالجة مضامينها وننتقل بعدها الى تحديد عناصر الدرس وتحليلها وننهي الدرس بخلاصة او استنتاج.
  • فهل نكون بذلك قد لامسنا تمثلات ومواقف المتعلم حول موضوع الدرس؟
  • وهل استطاع المتعلم التمييز بين المواقف الصحيحة وغير الصحيحة ؟
  • وهل اكتسب القدرة على نقد السلوكات والمواقف المخالفة وتبني المواقف السليمة؟

حقيقة، لم أكن أشعر أن ذلك قد تحقق.عندما ظهر المنهاج الجديد لمادة التربية الإسلامية سنة 2016م، والذي نص على اعتماد الوضعية المشكلة في التدريس والتقويم، خضت التجربة فيهما معا، واجهتني صعوبات في البداية، ولكن بعد الاستفادة من اللقاءات التكوينية للمؤطرين التربويين مشكورين، والاستفادة كذلك من تجارب إخواني وأخواتي في المادة، استطعت بفضل الله وتوفيقه اعداد وضعيات في التدريس والتقويم من صميم واقع المتعلم اليومي وفق شروطها ومعاييرها، حسب المستطاع، فتوصلت للنتائج الاتية:
- تكسير النمطية واضفاء الحيوية أثناء بناء التعلمات؛
- اثارة المتعلم وشد انتباه اثناء عرض الوضعية المشكلة؛
- تحفيز المتعلم للانخراط في بناء تعلمه، وحل مشكلة الوضعية؛
- ربط الدرس بواقع المتعلم وتمثلاته التي تعكسها مواقف الوضعية المتضاربة، وقد يكون هو من يتبنى أحدها.
- تـمهير المتعلم على نقد المواقف الخاطئة وتبني المواقف السليمة .

إن التدريس بالوضعية المشكلة يحول المتعلم من مستهلك للمعرفة إلى منتج وفاعل ومؤثر من خلال تصحيحه للمواقف الخاطئة وتبنيه للمواقف الصحيحة، باستثمار المفاهيم والقيم التي اكتسبها في الدرس فيدرك أهميتها في معالجة المشكلات، والمواقف التي تعترضه في الحياة فيعتز بدينه ويفخر بالانتماء اليه .
يتضح مما سبق أن اعتماد الوضعية المشكلة في مادة التربية الإسلامية تدريسا وتقويما وسيلة فعالة ومهمة في العملية التعليمية التعلمية، لأنها تخرج المتعلم من نمط التلقين والشحن، الى المساهمة في بناء تعلماته، وذلك من خلال إنجاز مجموعة من المهام، هذه المهام تساهم في تنمية قدرات ومهارات المتعلم، وتجعله قادرا على مواجهة المشاكل والعوائق التي تصادفه في واقعه، فيتمكن من استثمار تعلماته في واقعه اليومي، وتجعل المتعلم كذلك واعٍ بأهمية المعارف الشرعية والفكرية والقيم التي اكتسبها، اضافة الى أنها تجعل المتعلم يتدرب على البحث والنقد، فيصبح مدركا لمعاني وأهمية كل تعلماته.
أتقاسم معكم إخواني الكرام مدرسي مادة التربية الاسلامية وجهات نظر لبعض الاساتذة الكرام تجربتهم في توظيف الوضعية المشكلة في التدريس.
 1ـالرأي الأول (لأستاذة عاملة بالثانوي التأهيلي): إن اعتماد العمل بالوضعية المشكلة في العلوم الشرعية يعد من أهم العوامل المساعدة في بناء المعرفة الإنسانية بصفة عامة والمعرفة الشرعية بصفة خاصة؛ وكما لا يخفى لتحصيل المعرفة يبدأ بالسؤال، والسؤال لا بد له من سياق. ومن هنا تكمن أهمية الوضعية المشكلة؛ فكلما كان بناؤها بناء جيدا مراعيا للزمان والمكان والأحوال (السياق) كانت دافعا لطرح السؤال والمشاركة الفعالة في بناء الدرس، مع التنبيه إلى أن الوضعية لا ينبغي أن تكون غاية في حد ذاتها بل ينبغي أن تكون وسيلة لاكتساب مهارات الاستدلال، والاستحضار والاستنباط والتركيب ... من أجل استثمارها ليس فقط في معالجة وضعيات افتراضية مشابهة، بل في وضعيات حياتية معيشة، ولنسهم بشكل فعال في بناء ذلك الإنسان الذي يسهم في بناء الأمة، وأنا شخصيا أتمتع رفقة أبنائي التلاميذ في استثمار هذه الوضعية لاكتساب المهارات المواقف الإيجابية.
2ـ الرأي الثاني (لأستاذة عاملة بالثانوي التأهيلي): بعد تجربتي القصيرة والمتواضعة أرى أن نجاح العمل بالوضعية المشكلة أمر متيسر وليس مستحيلا وذلك إذا روعيت شروط وضوابط بنائها البناء العلمي الرصين.شكل العمل بالوضعية المشكلة طفرة نوعية في مادة التربية الإسلامية حيث أصبح المتعلمون يدمجون قدراتهم المعرفية والمهارية لاستنباط المشكل وتصنيف المواقف وإيجاد حلول للمشكلة التي تنطلق من واقعهم المعيش، فيتم استثمارها فيه مما يمكنهم من الاندماج في المجتمع وتمثل القيم للإسهام في عمارة الأرض بالعمل الصالح فضلا عن كون التقويم بالوضعية غير الفكرة التقليدية المألوفة عن كون المادة سهلة، وأصبح الاهتمام بها يفرض نفسه فالفهم والتحليل والمقارنة والتركيب والاستنباط والاستقراء... ولا يخفى علينا أنها قدرات عليا للدماغ .

3ـ الرأي الثالث (لأستاذ عامل بالثانوي الإعدادي): "العمل بالوضعية طفرة نوعية" إن اعتماد الوضعية المشكلة في تدريس مادة التربية الإسلامية وجعلها من بين أهم المراحل في الدرس لم يأت عبثا وإنما من خلال مجموعة من التوصيات والتجارب العملية التي أظهرت نتائج محمودة، ومن خلال تجربتي المتواضعة في التدريس وحضوري حصصا نظرية وتطبيقية مع أساتذتي سواء في سلك الإجازة المهنية أو الفترة التدريبية البسيطة في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمكناس، لاحظت فرقا كبيرا بين اعتماد وإهمال الوضعية المشكلة في الدرس.
ومن بين ما لاحظت وما انا مقتنع به أن الوضعية المشكلة تمكن من:
- تحفيز المتعلم وتحضيره نفسيا للدرس.
- استفزاز معارف المتعلم.
- ربط المتعلم بواقعه بجلب وضعية مشكلة من الواقع.
- مساعدة المتعلم على بناء قيم فاضلة.
- تمكين المتعلم من إبداء آرائه ومواقفه.
- تغييب النمطية والملل الذي قد يلازم الدرس.

ومن خلال تدريسي بالدعامات لاحظت أيضا أن حضور الوضعية المشكلة في الدرس يجعل المتعلم حاضرا في جميع مراحل الدرس ويشد انتباهه؛ خاصة إذا لامست هذه الوضعية حاجيات المتعلم وتطلعاته من الدرس وما يثير انتباهه ويشد همته.
4ـ  الرأي الرابع (لأستاذة عاملة بالثانوي التأهيلي): بالنسبة لي التدريس بالوضعية المشكلة أعاد للمادة رونقها وجعلها أكثر واقعية لأنها تربط المتعلم بما هو معاش و تحفزه على المشاركة الإيجابية وتدفعه إلى التفكير العلمي المنهجي وتزيده رغبة في التعلّم الذاتي من أجل بناء معارف جديدة، باتخاذ إجراءات أكثر فعالية تقوم على دقة الملاحظة وافتراض الحلول الممكنة في نظره ثم الوصول إلى الاستنتاج والاكتشاف، وبذلك يحصل التعلّم.
كما أنها تضع المتعلّم أمام صعوبة معينة تتحداه حتى تجعله يشعر بأنّها فعلا مشكلته ويتعين عليه إيجاد الحلّ المناسب لها، باتخاذ التدابير اللازمة واستخدام كافة قدراته. وهذا يظهر جليا أثناء عملية التقويم التي يقوم فيها المتعلم بدمج معارفه للوصول إلى حل للمشكلة المطروحة أمامه.
5ـ  الرأي الخامس (لأستاذة عاملة بالثانوي التأهيلي): بالنسبة لتجربتي المتواضعة، فأنا مع العمل بالوضعية المشكلة، فقد شكل العمل بها طفرة نوعية في مادة التربية الإسلامي، حيث أصبح المتعلم طرفا فاعلا بل ومركزيا في بناء الدرس. ذلك أن الوضعية تثير لدى المتعلم حافزا قويا وذلك بفضل الإشكال الذي تطرحه والواقع الذي تلامسه، الأمر الذي يجعله متحمسا لحل مشكلتها وتصحيح تمثلاته حولها، هذا فضلا عن أن الوضعية المشكلة تمكن المتعلم من اقتراح المفاهيم التي من شأنها أن تخدم مشكلة الوضعية، هذه الإيجابيات وغيرها تنمي لدى المتعلم مجموعة من المهارات كمهارة الفهم والاستنباط والاستنتاج والاستدلال وإداء الموقف والتقويم.
6ـ الرأي السادس (لأستاذة عاملة بالثانوي التأهيلي): فيما يخص الوضعية المشكلة أو التقويمية فإنها تعتبر تجربة مهمة قادرة على جعل التلميذ يندمج كطرف في حل المشكل لا خارجه، وكذلك تساعد على تصحيح تمثلات التلاميذ الخاطئة بعد الكشف عنها أثناء مناقشة الوضعية، خاصة أن الوضعية يجب أن تنبثق من واقع التلميذ وتلامس همومه اليومية وهموم أمته، وتتدرج به من الجزئيات إلى الكليات، لكن أمام هذه الوضعيات عدة عقبات منها:
- حاجتها إلى خيال واسع قادر على حبكة موضوعات متعددة، والأمر هنا يتعلق بالموهبة والمراس.
- ضرورة تنويع الوضعيات المناسبة لكل فئة عمرية من جهة و محيط هذه الفئة بين ما هو حضري أو قروى، ساحلي أو جبلي. لأن الإنسان ابن بيئته من حيث التفاعل.
- إدراك انشغالات التلاميذ و صياغتها في وضعيات للفت الانتباه بشكل أكبر، وهذا ما قد يغيب بسبب عامل صراع الأجيال وغياب التواصل.
- التدرج في تقديم الوضعيات من البسيطة ضمن درس واحد الي الوضعية الدامجة المركبة والأكثر تعقيدا، غياب التدرج يخلق أشكالا عند التلميذ في فهم الوضعيات.
7ـ الرأي السابع (لأستاذة عاملة بالثانوي الإعدادي): إن توظيف الوضعية المشكلة في درس التربية الاسلامية يحتاج الى كثير اجتهاد احترازا من السقوط في النمطية والرتابة في الطرح والموضوع، وعلى المستوى الديداكتيكي لتحقيق الكفايات لا تسعف الوضعية وحدها فيمكن توظيف وسائل اخرى كالقصة المؤثرة وان كانت لا تثير اختلافا في الآراء، وهذا ما نلاحظه في وضعياتنا حيث باتت لا تخرج عن ندوة وخطبة ونقاش.
8ـ الرأي الثامن (لأستاذة عاملة بالثانوي التأهيلي): اعتماد مدخل الكفايات يقتضي التدريس بالوضعية المشكلة. والتي تفرض على المتعلم تعبئة مجموعة من الموارد المكتسبة، كما تضفي طابع الواقعية على كل المعارف التي يتلقاها المتعلم من خلال المنهاج بحيث من خلال الوضعية والحاجة يدرك المتعلم أن كل ما يتلقاه المتعلم ليس مجرد معلومات نظرية يختبر في استحضارها في التقويم فقط . بل يشعر أن جميع الدروس والمعارف لصيقة بواقعه وينبغي أن تساعده في مواجهة إشكالات الواقع ، لكني أرى أن المشكلة ليست في التدريس بالوضعية بل في التنـزيل والممارسات الصفية التي أثبتت صعوبة صياغة وضعية مشكلة دالة وذات معنى بالنسبة للتلميذ خاصة مع طول المقررات.
9ـ الرأي التاسع (لأستاذة عاملة بالثانوي الإعدادي): حسب تجربتي لمتواضعة؛ العمل بالوضعية المشكلة تدريسا وتقويما من الطرق الجيدة التي اخرجت المادة من النمطية والالقاء، وأضفت الحيوية على المادة لأنها أدمجت المتعلم في بناء الدرس وشجعته على التواصل وربطته بالواقع الذي يعيشه كما علمته فن الرد واتخاذ المواقف بدل التلقي ونهج بضاعتنا ردت إلينا.
ملاحظة: الوضعية يجب ان تتوفر فيها شروطها.
10ـ الرأي العاشر: (أستاذ عامل بالثانوي التأهيلي): من وجهة نظري أن الاشتغال بالوضعية المشكلة وبناء المفاهيم وفق دعامات شرعية وفكرية أعاد لبيداغوجيا الكفايات اعتبارها وأخرج المدرس والمتعلم معا من النمطية في التدريس حيث تعطي فرصة للإبداع وتطوير مهارات التدريس مما جعل المتعلم ينتقل من مستهلك للمعلومة إلى منتج لها بل وحامل للقيم داخل مجتمعه ومدافعا عنها بالأدلة والبراهين وهذا هو جوهر العملية التعليمية التعلمية.
11ـ الرأي الحادي عشر :( أستاذ عامل بالثانوي التأهيلي): الانطلاق من الوضعية التقويمية من كبريات حسنات تجديد مادة التربية الإسلامية، لأنها لا تجعل المتعلم في حالة اعتماد على الحفظ فقط، لكنها تحفزه وتدفعه دفعا إلى الارتباط بواقعه والعمل على حل إشكالاته وفقا لمجموع ما تعلمه من مفاهيم وقيم وموارد بشرط طبعا أن تتوفر فيها شروط الوضعية الملائمة. كفانا استهزاء بالمادة واستخفافا بنيات وأعمال واجتهادات القائمين عليها، وكفانا عملا على تطبيق مخططات مبيتة لجهات نعلم مسبقا رغبتها في القضاء على مقومات وجود هذا الوطن وانتمائه وهويته.
12ـ الرأي الثاني عشر : :( أستاذ عامل بالثانوي التأهيلي): من خلال ممارستي للتدبير الصفي طيلة ثلاثة عشر سنة، يمكنني القول أن الانطلاق من وضعية مشكلة لتدريس مادة التربية الإسلامية يسمح بربط المتعلم بمحيطه من خلا سياق معين: (الشارع، المنزل، مؤسسة إدارية، الوسائل التكنولوجية..)، الأمر الذي يفرض على الأستاذ أن ينطلق في بناء الوضعية من آراء أو تصورات متناقضة، أو من أشياء تتناقض مع مايمارسه المتعلم في واقعه، أو ما يمس قيمه، فتساهم في خلخلة تمثلاته و تثيره وتستفزه فتدفع به لتجاوز العائق الذي واجهه في الوضعية من خلال القيام بمهام وأنشطة متعددة لتوظيف معارفه ومهاراته واستحضار قيمه فيبدأ في التفكير لإيجاد الحل للمشكلة، ولمشكلات مشابهة أو جديدة، فتنمو شخصية المتعلم واستقلاليته، وتكبر ثقته بنفسه وتراكم معارفه فيصبح فاعلا في مجتمعه. ومن هنا يتضح لي أن التلاميذ يقبلون على التعلم عندما يتم الانطلاق من وضعية مشكلة، لأنها تربطهم بم…
ختاماً لا يدعي من يدرس بالوضعية المشكلة أنها نص مقدس، كما أنها ليست ناتجة عن أهواء البعض الذين يريدون الحداثة وإخراج مادة التربية الاسلامية عن أصالتها وجوهرها، وإنما هي اجتهاد بشري مساير لفقه الوقع وفق ثوابت الشرع يسعى لتحقيق مقاصد عليا بتوظيف نصوص الشرع من القران الكريم والسنة العطرة وما أُثر عن الصحابة الاجلاء واقوال العلماء والمفكرين .وما دامت الوضعية المشكلة اجتهاد بشري قد يصيب صاحبه وقد يخطئ وفي كلا الحالتين مأجور.

author-img
التربية الإسلامية أونلاين

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent